وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88)
وقال هؤلاء الكفار: اتخذ الرحمن ولدًا.
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89)
لقد جئتم - أيها القائلون - بهذه المقالة شيئا عظيمًا منكرًا.
تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91)
تكاد السموات يتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم القول, وتتصدع الأرض, وتسقط الجبال سقوطًا شديدًا غضبًا لله لِنِسْبَتِهم له الولد. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92)
وما يصلح للرحمن, ولا يليق بعظمته, أن يتخذ ولدًا; لأن اتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة, والله هو الغني الحميد المبرأ عن كل النقائص.
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93)
ما كل مَن في السموات من الملائكة, ومَن في الأرض من الإنس والجن, إلا سيأتي ربه يوم القيامة عبدًا ذليلا خاضعًا مقرًا له بالعبودية.
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94)
لقد أحصى الله سبحانه وتعالى خَلْقَه كلهم, وعلم عددهم, فلا يخفى عليه أحد منهم.
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)
وسوف يأتي كل فرد من الخلق ربه يوم القيامة وحده, لا مال له ولا ولد معه.
تعقيب على التفسير.
الحمد لله لنا رب نعبده، ونخضع له، ونسجد له، ونتوكل عليه..؛ والمتأمل في هذه الآيات يجد مضمونها يدور حول العبودية..،وهذه الأخير لا تكون إلا لله جلّ ثناؤه،وعزت قدرته،وتنزهت أسماؤه،وصفاته-سبحان الله-لو أسمعنا الله –تعالى-أصوات مخلوقاته لقالت بالحرف الواحد :"لا معبود بحق إلا الله."إلا هذا المتعجرف المتكبر الكافر الذي اتخذ من دون الله إلها آخر لا برهان له ،ولا دليل،وتقول على الله ما لم يقله سبحانك يا ألله!إنه العناد،أو سميه شيئا آخر إن شئت.. ولو وجهت العبودية لغير الله لختلت الموازين في الكون !!والملفت للنظر أن هذه الآيات قد اتسقت، وتناسقت..فلا تجد فجوة فنية ،ولا تعثر للكلمات،ولا فراغات بين السطور..إنها ارتبطت ارتباطا وثيقا،وسمت بلاغة ،وفصاحة،وتعبيرا ،وأسلوبا يجلل النفوس،ويحرك القلوب من مكانها،ويصقل المشاعر صقلا قويا؛والذي زادها جمالا تلك النغمة الموسيقية على رؤؤس الآي أحدثها حرف الدال المشدد مرة ،والمخفف مرة أخرى المتصل بحرف المدّ ،ولا يخفى عليك أن حرف الدال من الحروف الشديدة التي يشتدّ وقعها على النفس البشرية المؤمنة شدّا قويا..قل لي بالله عليك:بأي مادّة طليت هذه الآيات بالذهب أم بالفضة؟أم بشيء أثمن منهما ..أجل إنه نور الله."نور على نور."إنه الجمال الحقيقي الذي يعجز اللسان عن وصفه؛ وتتوقف العقول عن إدراك أسراره الجليلة إنها كلمات الله ،ومن أحسن من الله حديثا ؟ ومن أحسن من الله قيلا؟..ارجع إلى خالقك أيها الإنسان وادخل تحت مظلة العبودية الحقة خاضعا منكسرا ذليلا غنه الله رب العالمين رب كل شيء ،ومليكه..لو قرأ المؤمن هذه الآيات بتأمل لشعر بشيء غريب يختلج مشاعره ،ويخترق مداركه..جربه إن شئت..فستتذوق ما تذوقت ؛أو أكثر.