الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ملء السموات ،وملء الأرض ،وملء ما بينهما،وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء ،والمجد ،وكلّنا لك عبد اللهمّ لا مانع لما أعطيت ،ولا معطي لما منعت،ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ..وأصلي ،وأسلّم على المبعوث رحمة للعالمين بشيرا ،ونذيرا،وداعيا إلى الله بإذنه،وسراجا منيرا.إنّ للأخوة معنى كبيرا ،ورباطا وثيقا ،وضرورة حيّويّة،والذي ندين به أنّها ممّا تفرّد به الإسلام عن غيره من المذاهب ،والأفكار ،والفلسفات ،والمعتقدات،ولقد حرص الإسلام على توثيق هذا الرباط بين أهل الإيمان،وكما حرص أن يكون هذا الرباط متساميا عن كلّ ما يوهنه ،ويضعفه ،ويزلزل كيانه،وينسف قواعده فجعل اللبنة التي يبنى بها هذا الأساس التوحيد ،والعقيدة الصحيحة المتينة التي لاغبش عليها حتّى تستمر ،وتعطي ثمارها في الدنيا ،والآخرة.."أين المتحابين في جلالي.."إنّا من أعظم المراكب التي توصل إلى الجنّة ،وقبل ذلك إلى رضا الله -سبحانه ،وتعالى-الأخوة في الله ..فهي منحة قدسيّة،وإشراقة ربّانيّة،ونعمة إلهية..يقذفها الله في قلوب من يشاء من عباده،والأصفياء من خلقه،والأتقياء من أوليائه قال تعالى في سورة الأنفال:"لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم."وقال سبحانه،وتعالى-:"واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا."..والأخوّة هي أيضا قوّة إيمانيّة نفسية تورث الشعور العميق بالعاطفة، والمحبّة ،والاحترام،والثقة المتبادلة..مع كلّ من تربطه،وإيّاه أواصر العقيدة الإسلاميّة،ووشائج الإيمان ،والتقوى،والعمل الصالح..وإنّ هذا الشعور يولّد في نفس المؤمن أصدق العواطف النبيلة،وأخلص الأحاسيس الصادقة في اتخاذ المواقف الإيجابيّة كالتعاون،والإيثار،والرحمة،والعفو،والتنفيس وقت الشدّة،والتكافل عند العجز..وفي اتخاذ المواقف السلبيّة:من الابتعاد عن كلّ ما يضرّ بالناس في أنفسهم ،وأموالهم ،وأعراضهم،وكرامتهم الإنسانيّة..،ولذلك كانت الأخوّة ملازمة للإيمان،وخصلة مرافقة للتقوى..إذ لا أخوّة بدون إيمان ،ولا إيمان بدون أخوّة قال الله تعالى:"إنّما المؤمنون إخوة." وقال كذلك:"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتقين."..ولا شكّ أنّ الأخوة إذا انعدمت من الإيمان التقت على المصالح الذاتيّة،والمنافع الشخصيّة..وأن الصداقة إذا انسلخت من التقوى قامت على توريث العداوة ،والبغضاء ،والشحناء بين الناس لقد تبيّن لكم على الأقل ملمح الأخوة في الله،وبانت لكم معالمها،واتضحت أمام أعينكم الحقائق..إلاّ أن تلجوا باب الأخوّة في ذات الله ،وتتحقق قلوبكم لمعانيها،وتذوب نفوسكم فيها لتكونوا رحماء فيما بينكم،وعلى أعدائكم أقوياء أشدّاء متأسين بالرعيل الأوّل من صحابة الرسول -صلّى الله عليه ،وسلّم- الذين قال الله عنهم في سورة الفتح :"محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم كما أنّ للأخوة فضائل عظيمة لا يتّسع المقام لذكرها فسوف نخصص لها مقالا آخر بإذن الله -عزّ ،وجلّ-."
الأحد مارس 01, 2009 1:24 pm